يهمنا أن تتعرف على عشر نقاط عسى أن تنفعك وتتأملها أثناء رحلتك مع البحث العلمي. فنحن نملك مهابة البحث العلمي من الصغر بل ونمارسها تلقائيا ونستخدمها على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك فإنه يمكن تطويرها
والعمل على إثرائها وصقلها لأن المنافسة شرسة جدا في مجال البحث العلمي. ولكي تكون باحثا متميزا عليك أن تنمي قدراتك الإبداعية وأن تكون متعاونا وتتمتع بأخلاقيات عالية. فنحن كأمة عربية ما زلنا موجودين على خريطة البحث العلمي، لدينا بالفعل الكثير من الموارد والإمكانيات الجيدة وثروة بشرية هائلة تحتاج إلى الاستغلال، لكن ما ينقصنا هو التوجيه الصحيح والاتحاد على هدف واحد. فمشاركة كل منا أساسية للوصول إلى هذا الهدف؛ لأن كل عقل يفرق!
أولا: ابحث العلمي مهارة فطرية— فأنت تمارسها منذ وقت طويل جدا!
نعم الانسان بفطرته يستخدم خطوات البحث العلمي منذ نعومة أظافره.
معروف عن الأطفال الصغار كثرة ملاحظاتهم. وهنا تبدأ سلسلة من الأحداث قريبة جدا من الخطوات العلمية للبحث:
١. يلاحظ الصغير شيئا ما (كقطعة طعام مثلا)، ثم
٢. يضع افتراضية عنه (ربما طعام جيد الطعم)، ثم
٣. يختبر ويجرب هند الفرضية (بأن يتذوق الطعام من خلال الأداة المخصصة لذلك: اللسان)، ثم
٤. يحصل على نتائج- التجربة ويحللها أثناء المضغ والتذوق، ثم
٥. يصدر تقريرا عن النتائج (يظهر في شكل انزعاج من تذوق الطعام إذا كان سيئا أو انسجام وسرور إذا كان حلو المذاق)، ثم
٦. يدعو اخرين لتكرر التجربة وإعادة إصدار النتائج (حث يدعو من حوله من الأطفال لتذوق قطعة الطعام)
ثانيا: البحث العلمي مهارة تستخدم على نطاق واسع.
كل المجالات تقريبا تستخدم الأسلوب العلمي، فتبدأ بسؤال وبعدها يتحول إلى مفهوم ثم تبحث عما قام به الآخرون من قبل الإجابة هذا السؤال، وتبدأ في وضع افتراضات وتوقعات، ثم مرحلة إجراء التجارب في المعمل، وفي النهاية تحدد ما إذا كانت التجربة ستقودك في هذا الاتجاه أو ذاك، في محاولة للتوصل إلى استنتاج أو تعميم أو نظرية.
ثالثا: البحث العلمي مهارة يمكن تعلمها.
يجب أن تعلم أيضا أن البحث العلمي أو الأسلوب العلمي عبار عن مهارة من بين عدة مهارات. ولهذا يمكن أن تتعلمها ولن يتميز عنك أحد على الإطلاق بطريقة لتعلم البحث العلمي غير متاحة لك. فعليك أن تدرك هذا الأمر جيدا وأن تشكل هذه الحقيقة دافعا لك.
رابعا: في مجال البحث العلمي المنافسة شرسة، لذا ابدأ فورا
المنافسة شرمة جدا خاصة في وقتنا الحالي. وهذا بالطبع لا ينفي كونها منافسة قوية على الدوام، وهو بالمناسبة أمر جيد يحث على النشاط!
المهم أن عليك أن تبدأ منذ اللحظة في استخدام الطريقة العلمية في التفكير، بصرف النظر عن مرحلتك العمرية أو التعليمية. ومن شأن ذلك مع المزيد من الاطلاع والعمل الدؤوب أن يجعلك في مقدمة الصفوف.
خامسا: لتكون باحثا متميزا، استمر في صقل مهاراتك وابتغ الوصول للحكمة
لنوضح ذلك دعنا نتأمل قليلا بان البحث على الإنترنت. وأنت تبحث في محرك جوجل مثلا هل تساءلت عن مدى عبقرية ذلك المحرك وأنك عادة ما تجد ما تريد معرفته في أول صفحة بعد البحث عنه. لقد بلغت تلك المحركات من الدقة ما جعل من النادر أن نحتاج في بحثنا أن نذهب للصفحة الثانية في نتائج البحث. لدرجة أن هناك مثلا في الولايات المتحدة يقول ما معناه «إذا أردت أن تدفن قتيلا فقم بذلك في الصفحة الثانية من جوجل». ورغم هده النتيجة المبهرة، إلا أن تلك المحركات لا تزال بحاجة إلى تطوير مستمر، ولعل الشكل أدناه - يسميه البعض هرم الحكمة — يوضح لك أن التطوير المستقبلي غرضه أن يصل محرك البحث القادم إلى الحكمة.
هذا الشكل الهرمي يعبر عن عمليات البحث الني تحدث من خلال محركات البحث. ولو أمعنت النظر ستجد أنه نفس الامر الذي تمر به أنت أيضا كباحث. ففي البداية يكون لديك الكثير من «البيانات الأولية»، فكلما ارتقيت صعودا في الهرم يزداد فهمك لهذه البيانات والسياق الذي تجمع فيه هذه البيانات يضيق ويتحدد بجزء معين. في نقطة البداية، تحصل على «بيانات أولية» مبعثرة وحجمها ضخم نوعا ما، وعندما تتعمق في فهمها قليلا٠ وتجمع الأجزاء من هنا وهناك تتحول إلى معلومات، وهذه المعلومات تتفاعل بها ومعها وتبدأ في تحويلها إلى «معرفة». ثم تبدأ في جمع أجزاء المعرفة التي وصلت لها لتشكل استنتاجا يحتاج المزيد من التأمل والتعديل لتصل إلى الحكمة التي قد تتمثل في ابتكار أو إبداع أو نظرية ينتفع بها الجميع.
اعتبر نفسك إذا كمحرك بحث وستجد أنه بصقل مهارتك سيسهل عليك الوصول إلى الحكمة بعد عدة محاولات وبهمة عالية.
سادسا: لكي تنجح في مجال البحث العلمي عليك أن تكون مبدعا، متعاونا، وذا أخلاقيات عالية
يجب أن تعرف أن النجاح في البحث العلمي والحياة عموما مرتبط بثلاثة أمور رئيسة يجب أن تضعها نصب عينيك.
١. الإبداع: فنجاحك مربط بمقدار الطاقة الإبداعية لديك. ولهذا يجب أن تهتم بتنمية هذا الجانب وتتعلم كيف تصبح مبدعا في كافة جوانب عملك. الإبداع كذلك هو الممر الذي يربط بين البحث واستخدام الناس له وتطبيقاته العملية التي تقدمها ريادة الأعمال.
٢. التعاون: أن يكون لديك امتداد للتعاون مع كل الناس بغض النظر عن انتماءهم أو سياستهم أو أيمن هذه الأمور طالما اشتركتم في الهدف البحثي.
٣. الخلق: أن يكون لديك دائما أخلاقيات متميزة عموما وبالأخص ما يخص التعامل مع الناس والأمانة العلية. هذه الأمور الثلاثة مجتمعة ستمكنك من أن تصبح شخصا ناجحا في الحياة عموما وفي مسار البحث العلمي على وجه الخصوص. ولعل المحطة الرابعة تلقي المزيد من التفصيل.
سابعا: ما زلنا موجودين على خريطة البحث العلمي، لكننا بحاجة إلى التوجيه والتوحد حول أهداف محددة.
قبل استكمال القراءة وجب التنويه عن أن بعض الاحصائيات أدناه هي من أعوام سابقة وقد استعانا بها في مساق أساسيات البحث العلمي، ويمكن للقاري تحديث معلوماته من خلال البحث عن نفس الإحصائيات.
كواجد مصر وبعض الدول العربية على خريطة البحث العلمي عالميا، لكننا ينقصنا نوع من التوجيه والتوحد حول أهداف معينة تمكننا من حصاد موقع أكثر تقدما على هذه الخريطة.
الشكل التالي يوضح أعلى 40 دولة في نشر الأوراق البحثية في العالم لعام ٢٠١١. وكما هو موضح، مصر من الدول المتواجدة ضمن مجموعة الشرق الأوسط وافريقيا.
الأعمدة العرضية في الأسفل تمثل الدول ذات المعدل الأكثر زيادة في العام الحالي مقارنة بالعام السابق.
في هذا المثال مقارنة بين عامي ٢٠١٠و٢٠١١، ونجد فيها أن إيران من أكثر الدول نموا وبعدها الصين ثم تأتي إسبانيا والهند وكوريا الجنوبية. تغير الوضع قليلا بحسب الشكل أدناه لعام ٢ ١ ٠ ٢، في خريطة٢٠١٢ نجد مصر أيضا متواجدة، وهذا يشير إلى وجود موارد لدينا وأفرد على أهبة الاستعداد للعمل، ولكن نلاحظ أيضا ظهور دولة جديدة في الخارطة وهي السعودية، مما يعد طفرة هامة للغاية؛ فقد تصدرت السعودية معدلات الزيادة في الإنتاج العلمي على مستوى العالم بين عامي ٢.١١و٢.١٢.
نقطة أخرى مهمة في هذه الخريطة وهو المربع باللون الازرق الفاتح، الذي يمثل الأورق البحثية ذات معامل التأثير العالي، التي حصلت على عدد كبير من الاقتباسات العلمية، فهي فعالا على درجة عالية من الأهمية لتجعل الباحثين الآخرين يستخدموها ويبنون عليها عملهم.
ثامنا: لدينا بعض الموارد والقدرات الجيدة.
مصر والمنطقة العربية بشكل عام لديها كمية كبيرة جدا من الموارد والقدرات، لكنها بحاجة إلى التعريف بها وتسليط الضوء عليها بشكل يزيد من التوعية العامة بها. هناك أيضا العديد من التقارير والدوريات المتميزة لمن يرغب في الاطلاع على النواحي المختلفة في الاقتصاد والتعليم والمورد البشرية وغيرها من المعلومات الهامة. ما يهم معرفته هنا أن الموارد موجودة بالفعل. من ضمن هذه الموارد أن مصر دولة رئيسة على مستوى الشرط الأوسط وشمال أفريقيا في مجال التعاون في الأبحاث العلمية. ستجد أدناه بعض الأرقام من عدة مصادر لعل أهمها تقرير "العلوم والابتكار في مصر" الذي قامت به الجمعية الملكية بالتعاون مع جهات أخرى. في الجدول أدناه يمكنك التعرف على أكثر عشرين دولة تتعاون معها مصر علميا وخاصة في نشر وعمل أبحاث مشتركة. والتعاون دلالة جيدة على وجود قدرات بشرية متميزة حتى وإن كانت الإمكانات متواضعة. طبعا يهمنا زيادة هذا العدد وعمل طفرة كمية وكيفية فيه.
ويشير هذا التقرير للنمو الكبير الذي تشهده مصر في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، فمعدلات نمو هذا المجال في مصر مميزة مقارنة بالمستويات العالمية، والتقرير رجع هذا النمو المطرد في عدد الخريجين الملمين بالتكنولوجيا الجديدة وما يؤسونه من فورقات ناجحة.
أشاد التقرير كذلك أيضا بمجال الرياضيات، فالأوراق البحثية التي تخرج من مصر في مجالات الرياضيات التطبيقية والنظرية تتخطى المتوسط العالمي للاقتباسات العلمية في هذا المجال وهذا يدل على مستوى جيد جدا من العلم يقدم في مصر.
ثم يشير التقرير لتميز مصر بما تمتلكه من الموارد الطبيعية مثل الرياح والشمس بشكل كبير، خاصه وأنه من المتوقع أن يؤدي استخدامهما بالشكل الأمثل إلى طفرة كبيرة في مجال الطاقة المتجددة.
تاسعا: لدينا ثروة بشرية شابة مبهرة.
نحن كأمة بشكل عام أمة شابة، وبينا عدد كبير من الشباب مما يعد علامة جيدة جدا مقارنة بدول كثيرة. في مصر تقريبا ٥5% من السكان يقل عمرهم عن 25 عاما، مما يعد مصدر قوة كبير جدا لو تم استغلاله بالشكل الأمثل.
وحق وإن لم يتم استغلال هذا المورد على مستوى المجتمع فيجب أن تحاول استغلاله بشكل شخصي على أكمل وجه إذا كنت في هذا السن أو أقل من الثلاثين أو حتى الأربعين.
عاشرا: كل عقل يصنع فارقا «لأن كل عقل يفرق!»
يجب أن تؤمن بها كباحث. أن تؤمن بأن كل عقل يفرق، هذا هو الشعار الرئيسي لمؤسسة علماء مصر. لأن مشاركتك٠ وعملك وعلمك بغض النظر عن سنك أو جنسك أو لونك أو ديانتك أو كونك من ذوي الاحتياجات الخاصة أو حالتك الاجتماعية أو المادية أو مكان إقامتك في منتهى الأهمية، ويمكن أن تصع الفرق في بناء الوطن، الذي نحلم أن يكون مركزا صناعيا وعلميا وحضاريا يخدم شعبه وشعوب العالم أجمع. فلابد إذا أن نتفق جميعا أنه لتحقيق هذا الحلم، ولأن كل منا بإمكانه إحداث الفرق فكل فرد منا سيكون عليه دور يجب أن يفهمه ويؤديه.
حاول أن تعمل جاهدا وأن تستمر في البحث عن منطقة الشغف الخاصة بك، وتبني خطتك متمركزا حولها. وإذا لم تعرف بعد مصدر الشغف الخاص بك فعليك أن تجرب العديد من المجالات في محاولة للتعلم واكتشاف الحال الذي تحبه فعلا وتسطيع من خلاله أن تساهم في تقدم وتطوير البشرية بشكل عام.
اساسيات البحث العلمي
0 تعليقات